2017-05-01

بصرف النظر إن كانت في سنوات عمرها ال35 أو 40 أو أكثر، هي تستحق الحب!


سَمِعتُ كثيراً عبارة "فاتها القطار" في مُجتمعي، فتسألت يوماً عما تَعكِسَهُ هذه العبارة التي لا يكاد يخلو منزل من التفَوُه بها لوصف شريحة مُعينة في المجتمع. في الواقع، الأمرُ بِرمَتِهِ يتعلقُ بالمرأة التي يتجاوز هذا التعبير السائد إرادَتَها، فلم تكن السبب سوى أنها تلعبُ دَوراً كمادة تحاك بها حكايات مُجتمع ذُكوري. 



تَسودُ في مُجتمعي الفلسطيني نظرةَ مُتأصلةَ تنصُ على أَنّ من تجاوزت الخامسة والثلاثين أو الأربعينَ من عُمرها، لم تَعُد مُهيأةَ لفرصة الزواج بشكل كبير، وليس العكس فالرجلَ قابلٌ ومُؤهلٌ لهذا الأمر حتى لو تجاوز السبعينَ عِقداَ. فكيف يكون هذا الحال إذا وقعت في براثنِ فخ الطلاق أو الانفصال؟ هذا سؤالٌ يُطرَح والعجبُ العُجاب يدور في رأسي، إنه يُعبِرعن ربما استحالة وقوع الأمر وكأن الانفصال الزَوجي هو بِمثابة حُكمٍ قاسٍ تحملُ المرأةَ وُطأتَهُ.
الأمرُ جدليٌ جداً يُسعِفُنا على وضعه على مَحمَل الجدّ، فلنحاول تسليطَ الضوءِ عليه بالرغم من سيطرتِهِ على كثيرٌ من المَنابر في هذا الزمان، فقد صادَفتُ على وسائل الإعلام قضايا تحاول من خلالها قنوات صوت النساء إثارتِها حول لماذا لَم تعد المرأة التي تجاوزت الفئاتِ العُمريةِ السالفةِ الذكر مُؤهلة؟ أم أن المرأة هي بين المطرقة ِوالسندان مُكبلة بمنظور لا يَدَعُها وشَأنها؟ 
في ذلك أقول على لسانهن، العُمرُهو ليس سبباً لتواجهني بحقيقةِ أنّني قد تجاوَزتُ المرحلة التي تُؤهلني للزواج ومن ثم لا زواج بعد ذلك ولا فرصة لي بِتذوق الحُب الواقعي، أو أذا كان طبياً لأن احتماليةِ الإنجاب بعد سن الأربعين هو ضعيفاً وهو سبب مُقنع للرجل الذي يَنظر لمستقبل زواجي حافلاً بالأطفال. لكن إذا استدعينا هذهِ المسألة للتفكير بها منطقياً، هل يُعدُ هذا المنظور اجحافاً؟ 
لا استطيع البتة القول بِأنه ليس مُجحفاً، فلم تنص الشرائعَ الدينيةِ على حِرمان من هُنّ ذواتِ الأربعينَ فما فوق من الحب والزواج. لكن المنظور الإجتماعي هو دائماً القول الفصل في مثل هذه القضايا، فقد يتجاوز أسُس وعقائِدً فقد كونَه عريقُ التوارث على مَرِ الأجيال، فبات من الصَعبُ قطعياً تغييرَهُ.
فكيف بالإمكان التعديل على سلوكاً اجتماعياً قائماً على وَضع المرأةِ في ظاهرة بمثابة سيف ذو حدين لتخوض قسراً معركةً اجتماعيةً غير متكافئةِ النهايةِ؟ لًطالما أن المجتمعُ الذكوري يُنصِفُ الرجل في النهاية، هنا يتوجبُ عليها النظر بعناية على مسألةِ العمر، بينما الرجل له تاريخ صلاحية يُؤهِلَهُ لتكرار التجربةِ العاطفيةِ مرةً بعد مرة وبعد أخرى إلى أن يصلَ لنتيجة مَفادُها بأنه يتحكم بهذا طالما أن التركيبةِ الإجتماعيةِ تُصرِح له بمبدأ الزواج الرُباعي.
حقيقةً، المسألة تُثيرُ امتعاضي بما يُشاع تداوُلَهُ، على سبيل المثال، فلانة بنت فلان لم يتبقَ في رصيدها العمري الكثير، فعليها أن تجدَ الرجلُ المناسبُ وإلا فقدت نَصيبها وسَيَتجنبُها الكثير من الراغبين لاحقا. فهذا يُعزِّزُ المفهومَ السلبي اتجاه المرأة، يَضعُها في دائرةِ العزلةِ وكأنها شيئاً مختلفاً لتجاوُزِها الفئةِ العمريةِ التي يُفضِلها الذكور، هذا مصدر القلق بحد ذاته من إبقاء معادلة أن المرأة هي مرغوبة طالما أن عمرها يُؤهلها بذلك، ولكن هل يمكنها التحكم بهذا العمر لتبقى على مستوى يروق للرجال؟
أحاول استبعاد هذا الواقعُ من مخيلتي سواء باظهار التصور الجَديد الذي ينبغى أن يكون هو السائِد الذي ينظر للجنس الآخر بأنَهُ صنفٌ بشري مُعادلٌ له بصرف النظر عن سنوات العمر، فهذه تقاليدٌ اجتماعيةٌ بائدة وجب علينا صدها حتى لا تكونَ سبباً في إثارة نعرة التفسخ وفرض العُزلة على من تجاوزنَ الأربعينَ حولاً ولم يحالفُهُنَ الحظ بعلاقة سعيدة.
في الغرب، هذا المَنظور غير مألوف، بامكان المرأة الاستمتاع في هذا الجانب دون قيود اجتماعية كما في المُجتمعات الشَرق أوسطية، أو ما شابهَها حيث رسوخ هذه النظرية التقليدية. على سبيل المثال، المُرشح الفرنسي عن الحزب الإشتراكي في الإنتخابات الرئاسية الحالية "إيمانويل ماكرون" 39 عاما وقع في حُب مُعلمتِه التي هي زوجَتِه الآن على مقعد الدراسة وهو في سن الخامسةَ عشرة من العمر، فهي الآن في عقدها الخمسون. هذه الحالة تشير إلى أن التفاوتَ العُمري أو تجاوز الأربعين للسَّيدات في الغرب لا يلعبُ دوراً كابحاً للمرأة لتحظى بعلاقة عاطفية بعد هذا العمر، لذا نسبة العُنوسة ليست ظاهرة مُهَددة كما في المُجتمعات العربية. 
اختم هذا الموضوع باقتراح يتوجبُ علينا تنفيذَهُ، على مجتمعنا أن يتصالح مع ذاته ويحاول الخروج من الصُندوق والتفكير بجدية بعيداً عن ريبة العَقليةِ الذكوريةِ المُهيمنة ِعلى علاقاتنا الأجتماعية بحيث تُقصي المرأة من دورها كعُنصر بشري مهم في بناء مُجتمع مُتآلف، علينا اقناع انفُسنا بأن الزواج من أربعينية أو أكثر هو ليس عَيباً، لذا يتوجب علينا نشر التوعية حتى تشعرَ المرأة بأنها ليست حَبيسةَ هذا المَنظور الإجتماعي المُتعلق برمته بالعمر.

ملاحظة: المقال يُعبر عن رأي شخصي وليس بالضرورة أن يعكس توجه الأغلبية الساحقة.

No comments:

Post a Comment

 24.04.2024